قراءة في المادة 16 منن مدونة الأسرة

قراءة في المادة 16 منن مدونة الأسرة

قراءة في المادة 16 منن مدونة الأسرة
لقد أعطى الشرع الحنيف أهمية قصوى للعلاقة الزوجية ،و اعتنى الفقهاء و العلماء و عامة المسلمين بهذه العلاقة فقها و  تعاملا و توثيقا ، و لعل أهم ما يثبت ذلك ما يشكله الزواج من قيمة في نفس كل واحد منا .
و لما كانت القاعدة القانونية  قاعدة اجتماعية فإن المشرع حاول جهد الإمكان صيانة و حماية هذه العلاقة الزوجية و ذلك بوضع قيود و ضوابط من أجل توثيقها ، واعتبر أن أهم وثيقة من أجل توثيق العلاقة الشرعية بين الزوجين هي عقد الزواج ، بل الأكثر من ذلك اعتبرها المشرع الوسيلة المقبولة لإثبات  الزواج.
و هكذا فقد نصت المادة 16 من مدونة الأسرة على أنه ” تعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات  الزواج. إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته …………….. ”
فمن خلال  ما تضمنته هذه المادة من مقتضيات يتضح أن المشرع حرص كل الحرص على جعل العلاقات الزوجية كلها موثقة من أجل الوقوف على الحقيقة الأسرية بالمغرب و للمغاربة سواء أكان الطرفان معا مغاربة أو كان أحدهما مغربي و الآخر أجنبي .
و من أجل الوقوف على بعض ملامح تلك المقتضيات ارتأينا أن نناقش المادة 165 من مدونة الأسرة وفق التالي :
 الفقرة الأولى : في  توثيق العلاقة الزوجية
الفقرة الثانية :  في دعوى  ثبوت الزوجية

الفقرة الأولى :  في توثيق العلاقة الزوجية

يعتبر عقد الزواج من حيث  طبيعته القانونية مثل باقي العقود ، ذلك أنه ينعقد بين طرفين يجب أن تتوفر فيه كل الأركان و الشروط التي يفرضها المشرع في كل عقد . إلا أن  لهذا العقد خصائص تميزه عن غيره ، منها أنه يتوفر على ركنين أساسيين و هما الزوجان ، و الإيجاب و القبول . و تعتبر باقي الأمور المتعلقة به من الشروط التي تختلف أحكامها باختلاف طبيعة كل شرط على حدة .
و كنتيجة لذلك فإن من شروط عقد الزواج أن يتم توثيقه من قبل عدلين  منتصبين للإشهاد عند سماعهما للتصريح الصادر من الزوجين بالإيجاب و القبول ، كما تنص على ذلك الفقرة  الرابعة ( 4 )  من المادة 13 من مدونة الأسرة ن و التي تنص على أنه ” يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية : 1-…… 4- سماع العدلين التصريح بالإيجاب و القبول  من الزوجين و توثيقه ، 5- انتفاء الموانع الشرعية “
 و إذا كان التصريح الذي يتلقاه العدلين المؤهلين لذلك  يتم توثيقه في الوثيقة الزوجية ، يعتبر بمثابة دليل قاطع على قيام العلاقة الزوجية و إثباتها ، فإن السؤال الذي يطرح هو هل تعتبر تلك الوثيقة هي الوسيلة الوحيدة لإثبات الزواج  أم أن هناك طرق أخرى يمكن اللجوء إليها من أجل نفس الغاية ؟ كما أن السؤال يمكن أن يطرح بصيغة أخرى ، و هي هل تعتبر العلاقة القائمة بين طرفين باطلة في حالة تخلف الزوجين عن توثيق زواجهما ؟
إن مفهوم البطلان  كمؤسسة قانونية لا يقترن إلا بالأركان و على ذلك فلما لم يكن سماع العدلين للإيجاب و القبول بمثابة ركن من أركان عقد الزواج بدليل صريح منطوق المادة 13 من مدونة الأسرة فإننا لا يمكن أن نتصور بطلان العلاقة الزوجية لمجرد عدم توثيقها ، و لذلك يبقى التساؤل مطروحا حول جزاء عدم توثيق العلاقة الزوجية هل يجهل العقد بين الزوجين قابلا للإبطال أم لا؟
إن صيغة الوجوب التي وردت بها المادة 13 من مدونة الأسرة لم يقرنها المشرع  بأي جزاء يمكن الركون له من أجل  القول بأن العلاقة الزوجية قابلة للإبطال لكونها لم يتم توثيقها ، كما أن المادة 12 من نفس المدونة حددت الإجراءات و العقوبات التي تطبق في حالة انعقاد الزواج على الإكراه أو التدليس ، وأحالت على مقتضيات المادتين 63 و 66 من المدونة . و بالرجوع لتلك المقتضيات  نجدها أنها تقرر في المادة 63 الحق  للمدلس عليه أن يطلب الفسخ لعقد الزواج سواء في ذلك أكان الزوج قد بنى بزوجته أم لا .، و قد حددت نفس المادة الأجل الذي يتعين فيه على المكره أو المدلس عليه رفع دعوى الفسخ لعقد الزواج و  هو أجل شهرين من يوم زوال الإكراه  أو من يوم تحقق العلم بالتدليس ، و هذا الأجل تطبق عليه كل الضوابط المعمول بها في قانون المسطرة المدنية و التي أهمها أنه أجل كامل أي لا يدخل فيه اليوم الأول و اليوم الأخير .
كما أن المادة 66 من مدونة الأسرة  حمت جنائيا عقد الزواج من التلاعب به لما أحالت على المقتضيات الواردة بالفصل 366 من القانون الجنائي التي تنص على أنه ” يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين و غرامة من مائتين إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين  فقط ، ما لم يكن الفعل جريمة أشد من :
1-      صنع عن علم إقرارا أو شهادة تتضمن وقائع غير صحيحة ؛
2-      زور أو عدل ، بأية وسيلة كانت ، إقرارا أو شهادة صحيحة الأصل ؛
3-      استعمل عن علم  إقرارا أو شهادة غير صحيحة أو مزورة .”
و بذلك يتضح أن المشرع حمى عقد الزواج  في حالة ما إذا شابته عيوب التدليس و الإكراه بحماية مدنية تتمثل في إمكانية المطالبة بالتعويض وفق مقتضيات المادة 63  من مدونة الأسرة و حماية جنائية بمقتضيات المادة 66 من نفس المدونة .
غ
ير أنه باستقراء مقتضيات مدونة الأسرة فإنه لا يوجد حسب اعتقادنا ما يفيد أن  عقد توثيق عقد الزواج يشكل سببا لعدم قيام العلاقة الزوجية .
و من أهم مؤيدات هذا الرأي  ، أن المشرع أتاح  للذين لم يوثقوا زواجهم فرصة التوثيق و حدد لبهم أجلا من أجل القيام بذلك ، و هو ما سوف نتطرق إليه في المبحث الثاني .

 الفقرة  الثانية : في دعوى  ثبوت الزوجية

لقد أفرد المشرع لهذه الدعوى مقتضيات خاصة أوردها بالمادة 16 من مدونة الأسرة و التي تمت الإشارة إليها أعلاه .
و هكذا فإنه بخصوص دعوى الزوجية ، فهي الدعوى التي يلتجأ ليها لأطراف المتزوجين و الذين لا يتوفرون على عقد للزواج من أجل توثيق علاقتهم و ترتيب الآثار القانونية الناتجة عنها .
و لهذه الدعوى شروط يتعين أن تتوفر ليتم سماعها من طرف المحكمة . و هذه الشروط يمكن استخلاصها من المقتضيات الواردة بنفس المادة ، و هي كالتالي :
         أن تكون هناك أسباب قاهرة حالت دون توثيق الزواج ؛
         أن تقدم تلك لدعوى خلال فترة انتقالية لا تتعدى خمس ( 5 )  سنوات من تاريخ دخول مدونة الأسرة  حيز التطبيق .
         أن تعتمد حرية الإثبات  خلال جريان تلك الدعوى .
و هكذا ؛ ففي ما يتعلق بالشرط الأول فإن المشرع لم يحدد طبيعة تلك السباب القاهرة التي حالت دون توثيق العلاقة الزوجية ، و عليه فإنه لا يمكن الاعتداد فقط بالزيجات التي تمت قبل دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ و إنما قد تشمل مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة حتى تلك الزيجات التي انعقدت بعد دخول مدونة السيرة حيز التنفيذ و حالت أسباب قاهرة دون توثيقها ، كما هو الأمر بالنسبة للأفراد المقيمين بالبوادي و الذين يتعذر عليهم  إبرام عقد الزواج وفق الشروط و الشكليات التي أوردها المشرع في مدونة الأسرة ، أو كما هو الأمر بالنسبة للمغاربة القاطنين بالخارج و الذين يتعذر علهم إبرام زيجاتهم أمام المصالح القنصلية المختصة إما لكونها بعيدة أو لطارئ من الطوارئ ، و  هناك حالات مختلفة يتعذر فيها على الأطراف توثيق زيجاتهم ، و من أجل ذلك فإن المشرع أعطى للمحكمة سلطة واسعة في تقدير السباب القاهرة التي حالت دون توثيق الزواج .
و هنا لابد من الإشارة  إلى أن الأسباب القاهرة أسباب موضوعية يمكن إثباتها بكل وسائل الإثبات كما أن للمحكمة أن تستشفها من كل الوقائع و القرائن التي تتوف عليها  سواء في الملف و وثائقه أو فيما يروج أمامها من مناقشات للأطراف .

و بالنسبة لحرية الإثبات فإن المشرع أعطى للأطراف ،حماية لهم ، إمكانية تقديم أية وسيلة للإثبات من أجل إقامة الحجة على شرعية العلاقة الزوجية بينهما ، و على ذلك فإن تقرير المشرع للأخذ بعين الاعتبار حياة و وفاة الزوجين و كذا ما إذا كانت تلك العلاقة نتجت عنها ولادة أم لا يمكن أن يدخل في صميم اقتناع المحكمة و مدى بسط سلطتها في تحديد مدى جدية الدعوى و قيامها على أساس أم لا . كما ، للطرفين أن يستعينوا في إثبات دعواهم بشهادة الشهود و هنا لا يفترض أن يتوفر عدد الشهود على  العدد اللازم لقيام اللفيف العدلي فقد تكتفي المحكمة مثلا بشاهدين حضرا الزفاف أو عايشا الزوجين الطالبين لتوثيق العلاقة الزوجية ، كما أن لها أن تستأنس في ذلك بالصور الفوتوغرافية و غير ذلك مما يكون منتجا في الدعوى . وإن ما يزكي هذا الطرح
أما فيما يتعلق بشرط المدة ،  فإنه يلاحظ أن المدونة دخلت حيز التنفيذ بتاريخ صدور هذا القانون بالجريدة الرسمية ، و قد تم ذلك  بموجب الجريدة الرسمية عدد 5184 و تاريخ 05 فبراير 2004 ، و هكذا و باعتبار مقتضيات المادة 396 من المدونة فإن أجل الخمس سنوات  التي نصت عليها المادة 16 يعتبر أجلا كاملا  أي أن اليوم الأول و اليوم الآخر فيه لا يحتسبان ،و أنه إذا صادف اليوم الأخير يوم عطلة فإن ذلك الأجل يمتد لليوم الموالي أي أول يوم عمل بعد انقضاء العطلة . و إذا كانت هذه المقتضيات واضحة ؛ فإن السؤال المطروح هو ما الحل في حالة انقضاء المدة ؟ هل سوف  يبقى للمحكمة صلاحية النظر في دعوى الزوجية أم لا ؟
إن العبرة في حقيقة الواقع هي بتاريخ رفع الدعوى  ؛ فإذا ما كانت الدعوى قد رفعت  قبل انقضاء ذلك الأجل فإن المحاكم تبقى لها صلاحية النظر في  الدعاوى المرفوعة أمامها بشأن ثبوت الزوجية .
أما إذا ما انقضت المدة المحددة في القانون  ، فإن الإشكال يثور هل  سيعترف المشرع بالعلاقات الزوجية القائمة  و الغير موثقة أم لا؟
إن مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة لا تسعفنا في إمكانية تمديد الآجال المقررة قانونا ، على اعتبار الصيغة التي أتت بها ، لكن يمكن اللجوء في حالة بقاء زيجات غير موثقة – و هذه الحالة هي الحالة المرجحة نظرا لضعف التوعية بهذا المقتضى-   إلى مقتضيات المادة 400 من مدونة الأسرة و التي تنص على  أنه ” كل ما لم يرد به نص في هذه   المدونة ، يرجع فيه إلى المذهب  المالكي و الاجتهاد الذي يراعى فيه  تحقيق قيم الإسلام في العدل و المساواة و المعاشرة بالمعروف ”
و على ذلك فإن هذه المادة يمكن أن تضيء لنا الطرق لحل هذا الإشكال المتعلق بالأجل ، على اعتبرا أن هناك حلين :
 الأول  أن يتم اللجوء للفقه المالكي و إعمال قواعده في إثبات العلاقة الزوجية ،و هنا سيحل المشكل على اعتبار أن تلك القواعد قد حددت طرقا لإثبات  تلك العلاقة و متى توفرت تلك  القواعد جاز للمحكمة التصريح بثبوت الزوجية الغير موثقة .
و أما الحل الثاني فهو إمكانية اللجوء للاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل و المساواة و المعاشرة بالمعروف. و من مراعاة القيم الإسلامية حماية العلاقة الزوجية المقدسة و بالتالي إمكانية إتاحة الفرصة للمحكمة من أجل النظر في ذلك النوع من الدعاوى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *