إشكالية تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة في المادة الجبائية

إشكالية تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة في المادة الجبائية



إشكالية تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة في المادة الجبائية

   تعتبر إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة من المواضيع التي أثير حولها نقاش واسع خلال الفترة الأخيرة بفعل تطور الاجتهاد القضائي حول هاته المسألة ودخول الفقه على الخط بشكل مكثف لانتقاد امتناع الإدارة عن التنفيذ ولمطالبة القضاء بتبني جرأة أكبر في سبيل إجبار الإدارة على الامتثال لمنطوق الأحكام الصادرة في غير مصلحتها([1]).
فإذا كان تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الأفراد وأشخاص القانون الخاص لا يطرح أي إشكال بفضل إعمال القواعد الخاصة بالتنفيذ الجبري، فإن الأحكام التي تصدر ضد الإدارة تثير العديد من الصعوبات عند تنفيذها نظرا لطبيعة الشخص الموجهة ضده والمتمثل في الإدارة كشخص معنوي خاضع للقانون العام يتسم بتنظيم معقد ويضطلع بمهام المرفق العام.
وفي غياب إحصائيات دقيقة حول هاته المسألة، فإن الفقه يجمع على أن الظاهرة استفحلت خلال السنوات الأخيرة عقب إحداث المحاكم الإدارية وتزايد عدد الأحكام الصادرة ضد الإدارة بشكل غير مسبوق في تاريخ القضاء المغربي. مما يمثل ظاهرة يرى فيها البعض تحقيرا لسلطة القضاء([2]) ويعتبرها البعض الآخر مسا بسلطة القانون وبمبدأ المشروعية ودليلا على انحلال الدولة([3]).
وتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة في المادة الجبائية لا يخرج عن هذا النطاق، وإن كان المشكل يطرح بحدة تقل بكثير عن تلك التي تواجهها الأحكام الصادرة في مجال المسؤولية الإدارية أو دعوى الإلغاء أو الصفقات العمومية على سبيل المثال.
وهكذا، سنحاول خلال هذا العرض الإحاطة بهاته الظاهرة من خلال مبحثين، يخصص الأول للحديث عن الإشكاليات القانونية وأسباب الظاهرة، في حين يتطرق المبحث الثاني للوسائل القانونية لإجبار الإدار(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

لمبحث الأول : ظاهرة امتنـاع الإدارة عن التنفيذ، الإشكاليات القانونية والأسباب :

  الأحكام النهائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به هي عنوان للحقيقة، وهي ليست توصيات ولا قرارات استشارية أو ملتمسات، بل أعمالا لها حجية وقوة تنفيذية تستمدها من روح القانون ومما تقتضيه مبادئ العدالة والإنصاف([4]).
وبذلك، فإن الأساس الموضوعي لضرورة امتثال الإدارة للأحكام القضائية يجد سنده في القانون، ثم في احترام جهاز القضاء وفي الحق المشروع للمحكوم له في تنفيذ الحكم، وما دام الأمر على هذا الجانب من الأهمية فما هي الإشكاليات التي تحيط بظاهرة امتناع الإدارة عن التنفيذ (المطلب الأول) وما هي أسبابها (المطلب الثاني).

المـطـلـب الأول : بعـض الإشكاليات القانونية المرتبطـة بامتنــاع الإدارة عن التنفيذ :

من أهم هاته الصعوبات غياب مسطرة خاصة بتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة(1)وطبيعة الجهاز الإداري نفسه (2).
1 ـ غياب مسطرة خاصة بتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة :
الملاحظة الأساسية التي يتعين إبداؤها بهذا الخصوص كون القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية لم ينص على أية مسطرة خاصة بتنفيذ الأحكام الصادرة عن هاته المحاكم ضد الإدارة. حيث اكتفى في المادة 49 بالتنصيص على أن التنفيذ “يتم بواسطة كتابة ضبط المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم ويمكن للمجلس الأعلى أن يعهد بتنفيذ قراراته إلى محكمة إدارية”. فيما تنص المادة 7 على أنه “تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك”.
وبالرجوع إلى المناقشات التي سبقت التصويت على القانون المذكور بمجلس النواب، يتضح أنه قدمت اقتراحات تقضي بإدخال مقتضيات متعلقة بسن مسطرة للتنفيذ خاصة بالأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية([5])، غير أن هاته الاقتراحات لم يتم أخذها بعين الاعتبار، ورد وزير العدل بهذا الشأن أن المحاكم الإدارية هي محاكم عادية مندرجة في التنظيم القضائي للمملكة رغم تخصصها في المادة الإدارية … وأن تنفيذ أحكامها يخضع لإجراءات التنفيذ المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية([6]).
وبالتالي يبدو أن الهدف كان الحفاظ على وحدة النظام القضائي من خلال توحيد مسطرة التنفيذ، وإحداث قسم للتنفيذ بالمحاكم الإدارية على غرار ما هو معمول به في المحاكم العادية يتولي تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري. غير أن التجربة أثبتت أن الأحكام الصادرة في مواجهة الإدارة لها بعض الخصوصية كان من الأجدر مراعاتها وإحداث مسطرة خاصة بتنفيذها. ولنا في المشرع الفرنسي مثالا يشير إلى أهمية وجود مثل هاته المسطرة ؛ فرغم عراقة القضاء الإداري بفرنسا والجرأة المعروف بها مجلس الدولة الفرنسي تجاه الإدارة، فإن ذلك لم يكن عائقا أمام تبني المشرع الفرنسي نصا قانونيا يتعلق بتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة([7]).
أمام هذا الوضع المتسم بغياب مسطرة خاصة بالتنفيذ ضد الإدارة، وأمام تنامي تقاعس الإدارة عن تنفيذ بعض الأحكام الصادرة ضدها، وجدت المحاكم الإدارية نفسها بين مطرقة حماية حقوق الأفراد وإصرار المحكوم لهم على تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدتهم وسندان مجموعة من المبادئ التي كانت إلى وقت قريب تقيد سلطة القضاء من قبيل عدم جواز إصدار أوامر إلى الإدارة، وكون القاضي الإداري يحكم ولا يدير، وعدم جواز الحجز على الأموال العمومية وغيرها.
وتبعا لذلك، كان أمام القضاء الإداري تبني خيار من بين اثنين :
إما التعامل مع الإدارة بنفس القواعد المطبقة على الأفراد المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية المحال عليه بمقتضى المادة 7 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، أو الوقوف موقف العاجز ورفض أي طلب لإجبار الإدارة على التنفيذ بدعوى غياب أي مقتضى تشريعي يجيز مثل هذا التنفيذ الجبري.
غير أن القضاء المغربي، سنوات فقط بعد إحداث المحاكم الإدارية وكما سنعرض لذلك لاحقا، عرف كيف يتجاوز هاته الإشكالية بنوع من السلاسة والتدرج، والحد بصفة ملموسة من تفاقم ظاهرة الامتناع عن التنفيذ من طرف الإدارة بحيث أصبحت محصورة في قطاعات معينة، ولم يعد الامتناع عن التنفيذ موجودا بالعديد من القطاعات ومنها المجال الضريبي الذي أصبحت الأحكام الصادرة فيه تنفذ بشكل جد عادي بفعل التجاوب التلقائي لمديرية الضرائب
2 ـ الصعوبات الناجمة عن طبيعة الجهاز الإداري نفسه :
     تطبيق قواعد التنفيذ الخاصة بالأفراد المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية على الإدارة يصطدم في بعض الأحيان بصعوبات ناجمة عن طبيعة الجهاز الإداري نفسه. فالإدارة الصادرة ضدها الحكم كشخص معنوي تختلف عن الفرد من حيث تنظيمها وطبيعة المهام الموكولة إليها والتي تهم المرفق العام.
هاته الوضعية تنعكس بالضرورة على مستوى تنفيذ الحكم الصادر ضد الإدارة. فتعقيد تنظيم الجهاز الإداري المنفذ عليه يؤدي إلى تعقيد مسطرة اتخاذ القرار، وتأخر البث في إجراءات التنفيذ.
إضافة إلى أن الصبغة المركزية للإدارة المغربية تجعل المصالح المحلية عموما غير مختصة للحسم في تنفيذ حكم قضائي، وغالبا ما تحيل المفوض القضائي الذي يسعى للتنفيذ على المصالح المركزية باعتبارها المسؤولة عن اتخاذ القرار النهائي.
الوضع يزداد تعقيدا بالنسبة للإدارة التي تخضع قراراتها لمداولات هيآت تمثيلية أو مجالس إدارية بالإضافة إلى مصادقة المصالح العليا وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تعقيد مسألة التنفيذ نتيجة تعقد المساطر وتعدد مستويات اتخاذ القرار.
في المجال الجبائي، يجب الإقرار بأن مسطرة تنفيذ الأحكام أصبحت إلى حد ما مبسطة حيث غالبا ما تبادر المديرية الجهوية للضرائب بمجرد توصلها بالحكم النهائي القاضي بإلغاء الضريبة مثلا إلى إسقاط الضريبة الملغاة وتبليغ قرارها للقابض المكلف بالتحصيل باستثناء الحالة التي يكون فيها مبلغ الضريبة جد مهم فإنها تطلب رأي المصالح المركزية للمديرية العامة للضرائب.
وفي حالة صدور حكم بإلغاء ضريبة يكون الملزم قام بأدائها سلفا، فإنه يتقدم بطلب لاسترداد المبلغ المؤدى معززا طلبه بنسخة من الحكم الصادر في الموضوع لصالحه، وفي هاته الحالة تقوم إدارة الضرائب باتخاذ الإجراءات الضرورية لإرجاع المبلغ المؤدى لصاحبه.
عمليا لا تثير مسطرة تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة الجبائية صعوبات كثيرة مقارنة مع بعض الإدارات الأخرى.
المطلب الثانـي : الأسباب الماديـة لامتنـاع الإدارة عـن التنفيــــذ :
كثيرا ما يذهب بعض الفقه إلى الحديث عن امتناع الإدارة عن التنفيذ بنوع من التهجم على الإدارة بشكل يوحي وكأن هاته الأخيرة تمتنع عن التنفيذ لمجرد المتعة أواستجابة لنزوات شخصية للمسؤولين عنها. والواقع أن الإدارة لا تمتنع عن التنفيذ لمجرد الامتناع ولكن غالبا ما تكون هناك صعوبات مادية أو واقعية تحول دون عملية التنفيذ أو تؤدي إلى تأخيرها. وفي مقدمة هاته الصعوبات عدم توفر الاعتمادات الكافية(1) وصعوبة تصحيح المراكز القانونية بعد الحكم (2).
1ـ نـقـص الاعـتـمــادات اللازمة للـتـنـفـيــذ :
     هذا النوع من الصعوبات لا يمكن تصوره بطبيعة الحال إلا بمناسبة دعاوي التعويض وبصفة إجمالية عند تنفيذ حكم يقضي بأداء الإدارة تعويضا أو مبلغا ماديا لفائدة المحكوم له.
والصعوبة التي تطرح هنا تتعلق أساسا بمبدإ سنوية الميزانية المعمول به في المغرب، ومعناه أن ميزانية المؤسسات الإدارية يتم تخصيصها سنويا، وبالتالي فإنه عند صدور حكم يقضي على الإدارة المعنية بأداء مبلغ مالي فإن تنفيذ هذا الحكم يصطدم بغياب اعتمادات مخصصة لهذا الغرض داخل الميزانية. ويتم تبعا لذلك انتظار برمجة الاعتمادات المناسبة خلال السنة المالية الموالية، باستثناء بعض المؤسسات القليلة التي تنهج سياسة استباقية وتعمل على برمجة الاعتمادات في الباب المخصص بميزانيتها السنوية لتنفيذ الأحكام القضائية وذلك بشكل مسبق على اعتبار أنها تكون على علم بالدعاوى الرائجة ضدها ولها صورة تقريبية عن المبالغ التي قد يحكم بها عليها. غير أن هذه البرمجة المسبقة نادرة جدا، وكل الإدارات تقريبا تنتظر إلى حين صدور الحكم وصيرورته نهائيا لتبادر بالتفكير في رصد الاعتمادات اللازمة لتنفيذه.
وإذا كان المشكل يطرح بحدة أقل بالنسبة للقطاعات الوزارية والمؤسسات التي تتوفر على موارد مالية مهمة، فإن نقص الاعتمادات يطرح بحدة بالنسبة للجماعات المحلية وبعض المؤسسات ذات الطابع المحلي. ولعل هذا ما يفسر أن النسبة الكبرى من الأحكام المعطلة التنفيذ صادرة في حق الجماعات الحضرية والقروية.
فبالنسبة للجماعات فهي محكوم عليها بالحرص على توازن ميزانيتها بين المداخيل والمصاريف، وفي حالة وجود حكم يقضي بأدائها لمبلغ كبير فإن ذلك غالبا ما يؤثر على هذا التوازن ويحتم على الجماعة المعنية تأجيل تنفيذ الحكم إلا ما لا نهاية. فالكثير من الجماعات القروية بالخصوص لا يتعدى حجم ميزانيتها بضعة ملايين من الدراهم في حين تواجه بتنفيذ حكم صادر ضدها يقضي عليها بأداء مبلغ يفوق الحجم الإجمالي لميزانيتها السنوية([8]). بمعنى أنه إذا أجلت الجماعة جميع التزاماتها وامتنعت عن أداء أجور موظفيها برسم السنة المالية المعنية ولم تقم إلا بتنفيذ الحكم الصادر في حقها فإن الاعتمادات المتاحة لديها لن تكفي لذلك. هاته الوضعية تضع أكثر من علامة استفهام حول مآل مئات الأحكام التي تنتظر التنفيذ من طرف مختلف الجماعات الحضرية والقروية بالمغرب. ففي غياب تدخل فعلي لوزارة الداخلية الوصية على الجماعات المحلية ومدها لهاته الأخيرة بالإمكانيات المالية الكافية، فإن المشكل على الأقل بالنسبة للأحكام المتراكمة لن يعرف طريقه إلى الحل.
ولهذا الغرض، فإن الاكتفاء بتوجيه مناشير إلى الجماعات قصد دعوتها إلى تنفيذ الأحكام القضائية لن يكون له أي أثر ملموس مادام أن المشكل ليس في اتخاذ القرار أو في توفر الإرادة الحسنة وإنما في صعوبات مادية لا يد للمسؤولين الجماعيين فيها.
وبالاطلاع على القانون المقارن نجد المشرع الفرنسي قد فرض أجلا محددا في شهرين لتنفيذ الحكم القاضي بأداء مبلغ مالي وذلك في حدود المبالغ المتوفرة بالميزانية، ويجب تدبير المبلغ المتبقي حلال 4 أشهر([9]).
وذهب المشرع الجزائري إلى أبعد من ذلك حينما اعتبر أن الحكم هو بمثابة أمر بالدفع ولم يفرق بين الاعتمادات ، بل إنه سمح لمحاسب الخزينة بدفع المبلغ المحكوم به حتى في حالة عدم توفر الاعتمادات على أساس أن يتم خصم تلك المبالغ من ميزانية الجهة المحكوم عليها لاحقا([10]).
أما المشرع المصري فلم برتب أي إجراء أو أجل لتنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهة الإدارة مثله مثل نظيره المغربي([11]).

إشكالية تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة في المادة الجبائية

      إذا كان مشكل غياب الاعتمادات يثار بمناسبة دعاوى التعويض، فإن صعوبة تصحيح المراكز القانونية يظهر بمناسبة دعاوى الإلغاء.
وصعوبة تصحيح المراكز القانونية معناه أن القرار الإداري وقبل إلغائه يكون قد أنتج كامل أثره وخلق وضعا لا يمكن تداركه بعد صدور الحكم بالإلغاء. كأن يصدر حكم بإلغاء قرار إداري بهدم مسكن، في الوقت الذي تكون فيه الإدارة قد نفذت هذا القرار وهدمت المسكن بدعوى أنه مخالف لضوابط التعمير، أو حكم صادر بإلغاء قرار يقضي بإلغاء حيازة الإدارة لعقار في إطار نزع الملكية أو الاحتلال المؤقت أو الاعتداء المادي في حين تكون الإدارة قد شيدت بناية عمومية فوق هذا العقار لا يمكن إزالتها، أو حكم بإلغاء إجراءات التحصيل الجبري للضريبة يصدر بعد إيقاع الحجز والبيع على عقار المدين …. إلخ.
ففي مثل هاته الحالات، التنفيذ لا يرتبط بامتناع الإدارة وإنما باستحالة مادية تحول دون هذا التنفيذ، ولا يسع المحكوم له إلا اللجوء مرة أخرى إلى القضاء الإداري للمطالبة بتعويض عن الضرر الحاصل له.

المبحث الثاني : الوســائــل القـانـونـيــة لإجـبـــار الإدارة عــلى التنفيـذ :

من أجل إجبار الإدارة على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، عملت المحاكم الإدارية على اعتماد بعض الوسائل القانونية المطبقة في حق الأفراد وأشخاص القانون الخاص، ومنها على الخصوص الغرامة التهديدية (المطلب الأول) والحجز على ممتلكات الإدارة (المطلب الثاني).

المطــلــــب الأول : الغــرامة التهديدية:

   تعـد الغرامة التهديدية من أهم الوسائل التي تحمل المدين على تنفيذ التزاماته، وهي وسيلة أظهرت نجاعتها ضد الأفراد وأشخاص القانون الخاص. وتجد هاته الوسيلة مرجعيتها في الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه إذا رفض المنفذ عليه أداء التزام بعمل أو خالف التزاما بالامتناع عن عمل أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره وأخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية ما لم يكن سبق الحكم به.
والسؤال الذي يطرح هنا هو حول إمكانية تطبيق هذا الإجراء ضد الإدارة لحملها على التنفيذ (1) وبالأحرى ضد المسؤول الإداري الذي يثبت أنه كان وراء الامتناع عن التنفيذ (2).
1ـ الغــرامــة التهديديــة ضــــد الإدارة :
   عرف بعض الفقهاء الغرامة التهديدية بكونها عقوبة مالية تفرض عن كل يوم تأخير يحكم بها القاضي لضمان تنفيذ الحكم من قبل المحكوم ضده([12]).
والتطبيقات القضائية للغرامة التهديدية ضد الإدارة بالمغرب حديثة نسبيا ولم تظهر إلا بعد إحداث المحاكم الإدارية. وصدر أول حكم بهذا الشأن عن إدارية الرباط في شكل أمر استعجالي بتاريخ 6/3/1997 تحت عدد 134 في قضية ورثة العشيري، والذي أكـد فيه القضاء الإداري اختصاصه للبــث في طلـب فـرض الغرامة التهديدية ضد الإدارة ([13]).
وقد خالف هذا الأمر الاجتهاد القضائي الذي دأب عليه المجلس الأعلى منذ إحداثه قبل أن يغير موقفه ويساير اجتهادات المحاكم الإدارية في فرض الغرامة التهديدية ضد الإدارة. وهكذا جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 590 بتاريخ 9/11/2005 في قضية الجماعة القروية إسلي([14])،”وحيث إن المحكمة الإدارية حينما قضت بتحديد غرامة تهديدية في مواجهة المستأنفة بعد أن تأكد لها امتناع هذه الأخيرة عن تنفيذ الحكم الصادر في مواجهتها بتاريخ…الحائز لقوة الشيء المقضي به وذلك اعتمادا على محضر الامتناع عن التنفيذ المنجز بتاريخ…تكون قد بنت حكمها على أساس قانوني سليم مما يستوجب تأييده”.
غير أنه في قرار لاحق صادر بتاريخ 22/2/2006 تحت عدد149 في قضية محمد بلقاضي ضد الجماعة القروية سيدي احرازم([15]) ، ذهب المجلس الأعلى في اتجاه آخر عند تفسيره للمادة 448 من قانون المسطرة المدنية. اتجاه يقضي بفرض الغرامة التهديدية على الإدارة حينما يتعلق الأمر بامتناعها عن تنفيذ حكم قضى عليها بالقيام بعمل أو الامتناع عنه (إخلاء عقار، تسوية وضعية موظف، أو منح ترخيص معين ….)، وبعدم جواز فرض الغرامة التهديدية على الإدارة حينما تمتنع عن تنفيذ حكم يقضي عليها بأداء مبلغ تعويض مالي بدعوى أن أداء مبلغ مالي ليس التزاما بالقيام بعمل أو الامتناع عنه بالمعنى الوارد في المادة 448 من قانون المسطرة المدنية.
وهكذا، جاء في هذا القرار، الذي يبدو أنه لم يكتشف بعد من طرف فقهاء القانون، “حيث يحكم بالغرامة التهديدية المنصوص عليها في الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية المحتج به في حالة ما إذا كان الأمر يتعلق بأداء التزام بعمل أو خالف التزاما بالامتناع عن عمل والحال أن الحكم المدعى الامتناع عن تنفيذه من قبل المستأنف عليها قضى بمبالغ مالية التي تطبق بشأنها قواعد التنفيذ الجبري المنصوص عليها في الباب الثالث من القسم التاسع من قانون المسطرة المدنية إن كان هناك مجال لتطبيقها في مواجهتها الشيء الذي يتعين معه التصريح بتأييد الأمر المستأنف”.
والواقع أن تفسير المحكمة ومعها المجلس الأعلى للفصل 448 تفسير غريب، من جهة لكون هذا الفصل لا يمكن أن يعدد جميع أوجه وصور الامتناع عن عمل، ومن جهة ثانية فإن الامتناع عن تنفيذ حكم هو بمثابة الامتناع عن القيام بعمل دون حاجة للبحث في طبيعة العمل المحكوم به على الإدارة.
وعلى صعيد آخر، فإن ظاهرة امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية تجد أهم تجلياتها في الأحكام التي تقضي بأداء الإدارة لمبالغ مالية، وبالتالي فإن استثناء هاته الأحكام من الغرامة التهديدية سيؤدي إلى شل نجاعة هاته الوسيلة القانونية في إجبار الإدارة على التنفيذ.
والغريب أكثر أن المجلس الأعلى علل قراره الآنف الذكر بكون الالتزامات بــأداء مبالغ مالية تطبق بشأنها قواعد التنفيذ الجبري المنصوص عليها في الباب الثالث من القسم التاسع من قانون المسطرة المدنية، والحال أن الفصل 448 يندرج تماما ضمن الباب الثالث من القسم التاسع من قانون المسطرة المدنية والغرامة التهديدية تشكل بذلك إحدى أوجه التنفيذ الجبري التي أحال عليها المجلس الأعلى.
وعلى ضوء هاته المعطيات، فإن تقييما بسيطا لنجاعة الغرامة التهديدية في فرض تنفيذ الأحكام القضائية من طرف الإدارة، يظهر أنها، رغم الحماس الذي أثارته لدى الفقه والقضاء، تبقى وسيلة ذات فعالية نسبية لعدة أسباب منها التفسير الضيق الذي تبناه القضاء لمفهوم الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية كما تم شرحه أعلاه، وإمكانية استمرار الإدارة في رفض التنفيذ ورفض أداء الغرامة التهديدية نفسها، فضلا عن إمكانية أخرى يمكن تصورها وهي قيام الإدارة بأداء الغرامة التهديدية واستمرارها في الإمتاع عن تنفيذ الحكم الأصلي الصادر لفائدة المدعي خصوصا إذا كان مبلغ الغرامة التهديدية بسيطا مقارنة مع الالتزام الذي ستتحمله إذا هي قامت بتنفيذ الحكم الأصلي. وما يزيد من احتمال هذا الطرح أن الغرامة التهديدية تؤدي لفائدة خزينة الدولة وليس للمتقاضي المحكوم له، و من ثمة فإن إدارات الدولة حينما تؤدي الغرامة التهديدية فإنها في الحقيقة تمنح بالشمال ما تأخذه باليمين.
إشكالية تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة في المادة الجبائية
2 ـ الغرامة التهديدية ضد الموظف المسؤول عن عدم التنفيذ:
   هاته الوسيلة مؤداها أن الغرامة التهديدية لا تفرض على الإدارة كشخص معنوي وتؤدى من المال العام، وإنما تفرض على الموظف المسؤول عن عدم التنفيذ بصفة شخصية والذي عليه أداؤها من ماله الخاص.
هذا التوجه تبناه القضاء المصري حينما فرض في اجتهاد معروف غرامة تهديدية على وزير حمله المسؤولية الشخصية في عدم تنفيذ حكم قضائي معتبرا أن “امتناع الوزير عن تنفيذ الحكم ينطوي على مخالفة قانونية لمبدأ أساسي وأصل من الأصول القانونية تمليه الطمأنينة العامة وتقضي به ضرورة استقرار الحقوق والروابط الاجتماعية استقرارا ثابتا. ولذلك تعتبر المخالفة القانونية في هذه الحالة خطيرة وجسيمة لما تنطوي عليه من خروج سافر على القوانين، فهي عمل غير مشروع ومعاقب عليه قانونا ومن ثمة وجب اعتبار خطأ الوزير خطأ شخصيا يستوجب مسؤوليته”﴿[16]﴾.
في المغرب وبعد إحداث المحاكم الإدارية، فتحت إدارية مكناس الباب، من خلال الأمر الإستعجالي الصادر بتاريخ 03 أبريل 1998 في قضية محمد عطاوي ضد الجماعة القروية لتونفيت، لتطبيق الغرامة التهديدية في حق المسؤول الإداري شخصيا باعتباره من يقف وراء الامتناع عن التنفيذ. غير أن المجلس الأعلى لم يساير هذا التوجه وقضى قي قراره عدد 235 بتاريخ 11/3/1999([17]) بإلغاء الحكم الصادر عن إدارية مكناس معللا موقفه بأنه “إذا كانت الجماعة القروية التي ألغي قرارها بعزل الطاعن المذكور قد امتنعت عن تنفيذ الحكم المذكور رغم سلوك المعني بالأمر الإجراءات المسطرية لحملها على التنفيذ فإنه لا يمكن إجبارها على التنفيذ عن طريق الغرامة التهديدية ما دام القضاء الإداري قد اقتصر على إلغاء قرارها الذي اعتبره متسما بالشطط في استعمال السلطة فيبقى أمام المعني بالأمر الحق في اللجوء إلى القضاء الإداري، وبعد الإدلاء بمحضر الامتناع عن التنفيذ لطلب تعويض عن الأضرار الناتجة عن التصرف بخصوص نشاطات أشخاص القانون العام التي من شأنها الإضرار بمصالح الخواص”.
ورغم الاستياء الذي عبر عنه جزء من الفقه حيال موقف المجلس الأعلى([18])، فإنه بالتأمل جيدا في المسألة ودراسة طبيعة الإدارة المغربية سوف نجد أن قرار المجلس الأعلى كان في حقيقة الأمر مصادفا للصواب لعدة اعتبارات.
أول هاته الاعتبارات أن الإدارة المغربية تتسم بالتمركز وتدرج المستويات، فإذا اعتبرنا مثلا حكما صادرا ضد إحدى الوزارات وقصد المحكوم له رفقة عون التنفيذ المندوبية الإقليمية لهاته الوزارة بمدينته لالتماس تنفيذ الحكم، فإن الجواب الذي سيتلقاه من هذا المسؤول الإقليمي أنه ليس من اختصاصه تنفيذ أو عدم تنفيذ الحكم وأن المصالح المركزية للوزارة هي المعنية بالأمر. وأمام صعوبة انتقال جميع أعوان التنفيذ إلى العاصمة الإدارية لطلب التنفيذ من المصالح المركزية، وحتى في حال انتقالهم، فإنهم قد يواجهون بنفس الجواب من طرف الموظفين ورؤساء المصالح، بكون الوزير هو المسؤول عن تنفيذ أو عدم تنفيذ الحكم.
في هاته الحالة هل ستفرض الغرامة التهديدية بصفة شخصية على المندوب الإقليمي، أم على أحد رؤساء المصالح المركزية؟ علما أن هؤلاء لم يمتنعوا عن التنفيذ وإنما صرحوا فقط بأن تلك مسألة تخرج عن اختصاصهم، أم ستفرض على الوزير شخصيا باعتباره المسؤول عن عدم التنفيذ في الوقت الذي لم يثبت امتناعه نظرا لأنه من الناحية العملية من الصعب كما سلف القول مقابلة أعوان التنفيذ للوزراء شخصيا لطلب تنفيذ حكم.
علاوة على ذلك، وكما سلف التطرق إلى المسألة في المبحث الأول، فإن الامتناع عن التنفيذ لا يكون مصدره دائما النية السيئة للمسؤول الإداري، وإنما تكون هناك صعوبات مادية تتمثل بالخصوص في غياب الإعتمادات بالميزانية السنوية للإدارة المعنية. وبالتالي فإنه حتى إذا رغب هذا المسؤول في تنفيذ الحكم فإنه سيصطدم بهذا العائق الخارج عن إرادته، فما ذنبه إذن لتحميله الغرامة التهديدية في مثل هاته الحالات

إشكالية تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة في المادة الجبائية

المطلـب الـثـــاني : الحجـــز على ممتلـكــــات الإدارة

  الحجز على الممتلكات لتنفيذ حكم قضائي هو أحد أوجه التنفيذ الجبري المعمول بها في القانون الخاص. فهل يمكن تمديد العمل بهاته الوسيلة لمواجهة الإدارة المتقاعسة عن تنفيذ الأحكام القضائية ؟
ما دام لا يوجد نص قانوني يسمح بتطبيق هاته الوسيلة ضد الإدارة، كما هو الحال بالنسبة للغرامة التهديدية، فإنه قبل إحداث المحاكم الإدارية كان هناك مبدأ عام يقضي بعدم جواز الحجز على ممتلكات الدولة لأنها أموال عمومية ولأنها ضرورية لضمان سير المرفق العمومي باضطراد وانتظام، بالإضافة إلى أن الإدارة تمتاز بقرينة ملاءمة الذمة ولا حاجة للحجز على ممتلكاتها لتنفيذ أمر قضائي.
غير أن تطور الاجتهاد القضائي بعد إحداث المحاكم الإدارية سيدخل تغييرات جذرية على المبدإ من خلال التمييز بين الممتلكات العامة والضرورية لسير المرفق العام والتي لا يجوز حجزها، والممتلكات الخاصة التي بالإمكان إيقاع الحجز عليها لضمان وفاء الإدارة بتنفيذ الحكم القضائي الصادر ضدها.
وبطبيعة الحال فإن تطبيق هاته الوسيلة لا يمكن تصوره إلا بمناسبة الأحكام الصادرة على الإدارة بأداء مبلغ مالي وليس تلك المتعلقة بدعاوي الإلغاء.
ومن الاجتهادات القضائية التي يمكن سردها في هذا الباب، الأمر الاستعجالي الصادر عن إدارية الرباط تحت عدد 182 بتاريخ 1997.9.24 في قضية فاطمة العنصري ضد المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي باللكوس([19]) والذي قضى بجواز الحجز على أموال المكتب المذكور المودعة بحسابه لدى الخزينة لإرغامه على تنفيذ حكم صادر في حقه بأدائه تعويض مالي للمدعية.

إشكالية تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة في المادة الجبائية

وفي هذا الأمر استبعدت المحكمة جميع دفوعات المؤسسة الإدارية من قبيل أن أموال المكتب هي أموال عمومية لا يجوز حجزها وافتراض يسر المؤسسة وملاءة ذمتها. وأجابت بأنه لئن كانت المؤسسات العمومية مليئة الذمة ولا يخشى عسرها، أي أن لها من الأموال ما يجعلها قادرة على الوفاء بالديون التي تلزمها بدون حاجة لإيقاع الحجز على أموالها، فإن هذا المبدأ لا يجب أخذه على إطلاقه وتطبيقه بصفة آلية دون اعتبار لمعطيات الحالات التي يطبق فيها والأغراض المتوخاة من ذلك. فهذا المبدأ يستبعد تماما في حالة امتناع مؤسسة عمومية دون أي مبرر قانوني عن الإذعان لحكم قضائي صادر في مواجهتها، حيث “لا يوجد أي نص قانوني يعفي أي محكوم عليه من تنفيذ الأحكام القضائية سواء أكان مؤسسة عمومية أو غيرها ما دامت تلك الأحكام مذيلة بالصيغة التنفيذية.

وقد تواترت الاجتهادات القضائية على هذا النحو، ومنها الأمر الاستعجالي الصادر عن إدارية الرباط كذلك تحت عدد 41 بتاريخ 2006.2.22 في قضية ورثة مولاي محمد بن عباس ضد صندوق تأمينات المحافظة العقارية([21])، والذي جاء فيه: “حيث إنه إذا كان لا يجوز الحجز على الأموال العامة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة باعتبار أن الحجز والتنفيذ عليه من شأنه أن يعرقل ويعطل وظيفة النفع العام الملقاة على عاتقها، فإنه استثناء من ذلك يجوز الحجز على الأموال الخاصة لأشخاص القانون العام متى كان الحجز بحسب تقدير السلطة القضائية المقررة للحجز ليس من شأنه عرقلة سير المرفق العمومي أو تعطيل خدمات جمهور الناس به أو متى تم رصد الأموال للتنفيذ ولسداد التعويضات المعنية بالأحكام”.
ووفق نفس النهج، صدر عن نفس المحكمة أمر استعجالي آخر تحت عدد 860 بتاريخ 2006.11.10 في قضية القرض الفلاحي ضد مؤسسة بناني([22])، من حيثياته أن الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة لا تتمتع بالحصانة القضائية التي تمنع مثولهم أمام القضاء للإنتصاف منهم أو إجبارهم على أداء التزاماتهم في ظل نصوص الدستور ومبدأ سيادة القانون وخضوع الجميع للقانون، فالنتيجة الحتمية لذلك هو إجبارها على التنفيذ بجميع وسائل التنفيذ المتاحة. وأنه إذا كان المبدأ العام يقضي بعدم جواز الحجز على المال العام للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة، فمؤدى ذلك أنه لا يقرر حصانة أجهزة الدولة من التنفيذ بقدر ما يرتب حصانة المال العام في حد ذاته، وهو قابل للحجز ما دام أنه لا توجد نصوص خاصة بمنع ذلك وما دام أنه يمكن للمرفق أن يؤدي وظيفة النفع العام الملقاة على عاتقه مع وجود الحجز المذكور.
وعلى ضوء هاته الاجتهادات القضائية فما يمكن قوله هو أن القضاء الإداري، وعلى غرار سلوكه في شأن الغرامة التهديدية، اعتمد أسلوب الاستنباط لشرعنة الحجز على الأموال العامة. حيث استنتج في غياب نص قانوني يمنع صراحة الحجز على أموال المؤسسات العمومية، أنه يمكن اللجوء إلى هذا الإجراء لإرغام الإدارة على الانصياع للأحكام القضائية الصادرة في حقها.
لكن الصعوبة التي قد تطرح هنا تكمن في أنه ليس دائما يسهل التمييز بين الأموال العامة لمؤسسة إدارية التي لا ينبغي الحجز عليها، والأموال الخاصة القابلة للحجز. فإذا كان التمييز متاحا نسبيا فيما يتعلق بالعقارات والمنقولات، فإنه ليس كذلك فيما يخص الحسابات البنكية للمؤسسة والذي تودع فيه الاعتمادات المالية اللازمة لأداء أجور الموظفين ونفقات التسيير الأخرى الضرورية لأداء المرفق العمومي لمهامه ومن شأن إيقاع الحجز عليها أن يشل عمل المؤسسة.

خــــاتـــــمــــــة :

  إن الخلاصة التي يمكن الخروج بها من هذا العرض هي أن ظاهرة امتناع الإدارة عن التنفيذ لا ينبغي معالجتها من الزاوية الفقهية والقضائية وضرورة حماية حقوق الأفراد المحكوم لهم فحسب، بل لا بد من دراسة معمقة لجذور المشكلة وأسبابها لأنه ما من مسؤول إداري يرفض تنفيذ حكم قضائي لمجرد الرفض بالإضافة إلى أن أي إدارة عمومية هي مؤسسة تخضع في تسييرها لنظام ومساطر وضوابط معينة وليس لمزاج الشخص المسؤول عنها.
وعلى هذا الأساس، فإنه لا يجب على القضاء المبالغة في الاندفاع وراء حماس الفقه والمبالغة في ابتكار وسائل غير منصوص عليها قانونا لإجبار الإدارة على التنفيذ دون مراعاة حساسية المهام المنوطة بها. وبدون محاولة تبرير امتناع الإدارة عن التنفيذ، الذي يبقى تصرفا غير مقبول، فإن اعتماد مقاربة جافة تعتمد على عنصر الإكراه يمكن أن يؤدي إلى آثار جانبية سلبية لا تقل خطورتها عن سلبيات عدم التنفيذ نفسه.
فمشكلة الامتناع عن التنفيذ هي قبل كل شيء مشكلة الإدارة نفسها، وبالتالي فإنه يتعين البحث عن حلولها داخل الإدارة وعدم انتظار الحلول القضائية والفقهية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *